عبدالوهاب مطاوع
استسلمت الصغيرة للنوم في غرفتها بعد عناء شديد . فأحكم الغطاء حولها ..ونظر اليها طويلا ثم غادر الغرفة الي المطبخ فصنع لنفسه فنجانا من القهوة وحملة الى مقعده المريح امام التليفزيون وتمدد امامه يرقب شاشته في استرخاء وهو يحتسي القهوة ويدخن ويفكر.
لكم ارهقتني الصغيرة هذا المساء قبل ان تنام .
بكت كثيرا وسألتني من جديد عنها واتهمتني بحرمانها منها وأقسمت انها لن تذهب الى المدرسة غدا إذا لم أعدها باصطحابها اليها فاضطررت لان اعدها بذلك .
أقسي من الالم ان تتظاهر بأنه ليس بك اي جرح وانت الجريح حتي الموت وهذا ما افعله كل يوم مع طفلتي الصغيرة ومع زملاء العمل والاصدقاء وامي وإخوتي منذ شهور طويلة.
شقيقتي التي تكبرني بعامين هي وحدها التي لم تنخدع لحظه بتظاهري بالاستهانة بما حدث ونظرت الي طويلا وانا اجلس في الشرفة وقت الاصيل اشرب القهوة واراقب الطريق ثم انفجرت فجأة في البكاء فلم استطع الاستمرار في الخديعة وجاوبتها بسيل صامت من الدموع .
تزورني كثيرا منذ جري ما جري .. وتغسل ملابس الطفلة وتطهو طعام الاسبوع وتضعه في الثلاجة وتلاعب الطفلة .. وتصطحبها الي المحلات لشراء احتياجاتها وتدعوني الي بيتها كل بضعة ايام لتناول طعام العشاء وقضاء الامسية مع زوجها واولادها ...
زوجها صديق اكثر منة قريب تالفت روحي معه منذ انضم الي اسرتنا ووجدت فية قلبا طيبا وعقلا راجحا كلاهما عطوف يبادل الاخر عطفا وحبا فنضح بيتهما بعطر الحب والرحمة .. هكذا كنت معها في ايامنا السابقة لكن أريج الحب لم يثبت للايام.
كانت شقيقة لاحد زملاء العمل .. رأيتها معه اكثر من مرة واجتذبتني اليها بجمالها وخفة ظلها وقوة شخصيتها جسست نبضها فوجدت الطريق مفتوحا امامي ..فاتحت شقيقها في خطبتها فرحب بي علي الفور وتعاونا في اعداد عش الزوجية وقدمت لها كل ما املكه وأحببتها وشغفت بها قبل ان نبدا حياتنا الزوجية .
وبعد الزواج سلمت لها راية قلبي وازددت افتتانا بها وجاءت الصغيرة بعد عام من الزواج فوثقت الروابط وجملت الحياة اكثر . لكنها علي الرغم من ساعادتها كانت دائما ملولة وضجرة .. وكثيرة الشكوي من كل شئ تشكو من عملها وعدم انصافها فية ومن متاعب الطفلة الصغيرة ومن ارتفاع الاسعار .. وقلة الدخل مع اني اضع في يدها مرتبي الكبير كاملا كل شهر ولا احاسبها فيما انفقته وتشكو من غيابي اسبوعين كل شهر في موقع العمل البعيد بالشركة التي اعمل بها مع اني اتقاضي عن هذين الاسبوعين اجرا مضاعفا يخفف من عناء حياتنا .
وفي كل الظروف كنت اسمع باهتمام وأواسيها واخفف عنها فتستريح ثم لا تلبث ان تتألق الابتسامة الجميلة في وجهها ولجمالها وخفة ظلها وشهامتها نالت مكانة غالية لدى أمي وإخوتي وزملائي فهي الحيصة دائما علي صحة امي ومجاملة اشقائى في مناسباتهم والمتطوعه بشهامة لمساعدة كل من يحتاج الي مساعدتها منهم وكلما اثني عليها احد من اهلي ثملت طربا بالثناء وازددت بها فخرا وغفرت لها نغمتها الشاكية.
أما في بيوت اصدقائي فقد تألقت بجمالها وحضورها وخفة ظلها في المناسبات الاجتماعية وفي مصيف الشركة كسبت ود زملاء العمل الذين تجمعنا بهم الاجازة وشقق المصيف . وفي احي هذة الاجازات تعرفنا الي اسرة زميل جديد انتقل الي فرع الشركة مؤخرا وتقاربت الميول بيننا سريعا وكثرت لقاءتنا خلال اجازة الصيف .. ثم استمرت بعد العودة من المصيف فتعددت دعواته لنا للعشاء ودعواتنا له وزوجته وابنتيه وتوثقت العلاقه بيننا حتي اصبحنا لا نخرج الا معهم ولا نقضي يوم الاجازة الاسبوعية الا معا في بيتنا او بيتهم او في النادي .
وبالغم من ساعادتها البادية فلقد ازدادت النغمة الشاكية في حديثها واضافت الي اسباب شكواها المتعددة ... سببا جديدا لم يكن قائما من قبل هو انا فقد بدات تشكو مني وتحاسبني علي كل كلمةاو اشارة وتستشعر في تصرفاتي العادية جرحا لمشاعرها او عدم تقدير لها .. او تجاهلا للاهتمام بها وعبثا حاولت ان انفي عن نفسي الاتهام وابرهن لها العكس .. الي ان فوجئت بها بعد عودتنا من النادي ونومطفلتنا الصغيرة ذات يوم تقول لي في جدية ..
اريد ان احدثك في امر مهم .. فتطلعت اليها باسما ومنتظرا فإذا بها تطلب مني الطلاق. الطلاق؟ بعد يوم سعيد قضيناه في النادي مع اسرة صديقه ولم تكف طواله عن الضحك والابتهاج ؟ لماذا؟ وماذا حدث ؟ جد ام هزل هذا؟ اسئلة كثيرة متلاحقه طرحتها عليها وانا مبهور الانفاس .. فلم احظ منها بجواب شاف وكان كل ما قالته لي انها تريد الطلاق ولن تتنازل عنه وسوف تغادر البيت غدا الي بيت اسرتها حتي استجيب لطلبها . وماذا عن ابنتك؟.. لاجواب وماذا عني وقد قدمت لك كل ما استطيع وارضيك واحافظ علي هذة السرة الصغيرة من اجلك ومن اجل طفلتنا ؟ .. لاجواب..
هل اسأت اليك ..... هل اذيتك مرة ..هل ضربتك مرة ؟ هل بخلت عليك؟ لاجواب ....او اجوبة كالجواب بكلام متهافت عن بعض الخلافات العابرة البسيطة التي لاتخلو منها الحياة الزوجية ولم تستغرق ساعات وانقضت منذ زمن طويل إذن ما العمل ؟ تجيبني : الطلاق ..فكري راجعي نفسك فكري في ابنتك في مستقبلها في مصلحتها ولكن لا تفكير ولا مراجعة ... طوال الاسابيع التالية لم تنجح اية محاولة معها لاقناعها بالعدول عن طلبها حتي صرخت فيها امها في حضوري. يا ظالمة...واصطدم بها شقيقها صداما صاخبا .... وكادا يتشابكان بالايدي في وجودى واخيرا سلمت بما لامفر منه لكني اردت في اللحظة الاخيرة ان اضع اصعب العراقيل في طريقها لعلها تفيق الي نفسها فعلقت موافقتي علي طلاقها علي تنازلها عن حضانة الطفلة لي .. وتلقي القلب الجريح طعنة اشد ايلاما بموافقتها علي هذا الشرط القاسي ويوم ابلغتني شقيقتي بموافقتها في التليفون وهي تصب لعناتها علي_ الفاجرة _التي تضحي بطفلتها للحصول علي الطلاق وضعت السماعة مذهولا وظللت اتجول في مسكني الخالي تنهبني الافكار والخواطر .. واحساس مرير برخصي وهواني علي زوجتي يقتلني وفجأة وجدتني امام المراة واتفرس في وجهى وهيئتي لاكتشف سر بشاعتي التي تدفع اما للتخلي عن طفلتها للتخلص من عشرتي وطال وقوفي امام المراة حتي خفت علي نفسي من الجنون فتناولت حبه مهدئة ودخلت في فراشى محاولا النوم فمضي وقت طويل وانا مستلق علي الفراش ارقب نجفة غرفة النوم وأتساءل متحيرا :لماذا يراني الاخرون طيبا وحلو المعاشرة ومهذبا .. ولا تراني زوجتي كذلك ؟ لابد انهم جميعا مخطئون وهي وحدها الصادقة فالزوجة هي من تعرف صدقا حقيقة من تعاشره اما الاهل والاصدقاء فهم لا يعرفون عنه الا ما تبدو علية صورتة الخارجية ..وفي غمار افكاري اكتشفت فجأة ان معظم لمبات النجفة المصممه علي شكل ملائكه صغيرة تحمل مشاعل الاضاءة مطفأه وتالفة وتذكرت انها كذلك منذ زمن طويل ولم افكر في تغييرها قلت لنفسي :انطفأت وتلفت ولم نتنبه لضرورة استبدالها بلمبات جديدة ...فمتي انطفأت مشاعل الحب في حياتي وخيم عليها ظلام النفور دون ان ادري؟
في قلب الاحزانيتشاغل الذهن احيانا بلاشياء الصغيرة .. فهل هذة علامة صحيحة .. ام نذير جنون ؟ أطفأت نور الغرفة ووضعت الوسادة فوق راسي محاولا النوم فغمر ضوء الصباح الغرفة ولم يغمض لي جفن وفي مساء ذلك اليوم توجهت مع شقيقتي الي مكتب المحامي ...وجاءت هي وشقيقها وطفلتي بعد اختفاء اسابيع وأعدت صيغة التنازل عن حضانة الطفلة ووقعتها امامي بثبات وهي تتجنب النظر الي والي شقيقتي ...ثم خرجنا الي مكتب المأذون فطلقتها فية وقبلّت الغادرة الطفلة وهي تقول لها انها ستسافر لبضعة ايام وستتركها مع بابا حتي تعود ثم غادرت المكتب في صحبة شقيقها دون وداع .
ومنذ ذلك اليوم تغيرت اشياء كثيرة في حياتي فاعتذرت عن عدم السفر الي مواقع العمل البعيد متنازلا عن فوائده المادية.. وتفرغت لرعاية طفلتي والاهتمام بشئونها ومحاولة ابتكار اجابة جديدة كل يوم علي سؤالها الدائم عن موعد عودة امها.
وفي يوم الجمعة من كل اسبوع يأتي شقشق الغادرة خجلا ليستاذنني في اصطحاب الطفلة الي امها وتبكيني صامتا فرحة الطفلة بالذهاب معه وتبكيني اكثر عودتها من الزيارة دامعة وهي تسألني عن سبب عدم عودة امها للاقامة معنا .
ايامي تتوالي كئىبة ... ومواساة الاهل لي تخفف عني بعض الامي وتثير رثائي لنفسي في نفس الوقت .قالت امي راثية سعادتي المهدرة كنت دائما اطيب ابنائي واكثرهم حنانا باخوته ولم تحتج يوما لمن ينبهك الي واجبك .. فكيف تكون اقلهم حظا في الحياة ؟
فاسمع كلماتها الطيبة شاكرا ومتظاهرا بالمرح والاستهانة ومؤكدا لها اني سعيد بحياتي هكذا مع ابنتي .. لكن هيهات ان يغفل قلب الام عن التعاسة الكامنة في الاعماق ...وكنت اظن اني قد تجرعت كأس الام كاملة .فإذا بي اذهب الي العمل ذات صباح فاجد الجميع يتفحصونني باهتمام ورثاء خفي كأنما يتوقعون مني شيئا لا اعرفه وشعرت في نظراتهم بشئ مريب فسألت اقربهم الي قلبي عما يدور حولي فنظر الي صامتا ثم فاجأني بدعودتي للخوج معه من العمل في مشوار قصير .. وفي الشارع قال لي بنبرة عاطفة لابد ان تعرف ما يعرفه غيرك ..لقد تزوجت زوجتك السابقه من زميلنا فلان زواجا عرفيا وعرف الجميع في العمل بذلك اليوم .
فشعرت ان ساقيّ تعجزان عن حملي ... وتوقفت في الشارع مذهولا ...فلان..صديقي المقرب الذي تعرفت علي اسرته في المصيف واحترمت زوجتة واحببت ابنتيه ؟ الهذا اختفي من حياتي طوال الاسابيع الماضية وكنت اعتب علية تخليه عني في محنتي .. فاذا به صانعها والمسؤل عنها هذه هي القصة اذن نار تسري تحت الرماد وانا مطمئن الي يومي وغدي مع زوجتي وطفلتي الصغيرة الامر اذا ليس مصادفة وانما تدبير محكم انا ضحيته وابنتي ايضا ...لكن كيف تنازلت المعتزه بنفسها وجمالها عن كبريائها فرضيت بوضع الزوجة الثانية لزوج واب لابنتين في سن المراهقة وكيف تمادت في الهوان فرضيت بزواج عرفي اشبة بالزواج السري ؟
وعجزت تماما عن المشى فاستدعي زميلي سيارة اجرة وصحبني الي سكني الخالي ولازمني طوال اليوم يهون علي الامر ويخفف عني وحملته عند انصرافه خطابا الي مديري اطلب فية اجازة لمدة اسبوعين وأمضيت الاجازة في مسكني لا اكاد اغادرة الا لفترة قصيرة كل مساء مع طفلتي اشتري خلالها لهل ما تحتاج اية او اروح عنها وعن نفسي بالمشي قليلا في الشوارع.
وبمرور الايام نجد اننا لن نعيش سوي لحظات
فانا ان ذهدت في الدنيا فمعي كل الحق كيف لاتعطينا الدنيا نصف ما نريد وما
هذه اللعبة التي تلعبها معنا فانا لا احس بالراحه الا مع ورقه شجر او منظر
ماء مع حجر اوطائر يطير في سفر فعلا انها ايام مرحه
